التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بالحب أسرت القلبوب/ بقلم الأستاذ حشاني زغيدي

حين نحرم معاملاتنا من العواطف، فكأننا نعري الأشجار من جمالها، حين تفقد الأشجار رونقها بتنحي الأوراق الخضراء، تفقد الشجرة لونها الزاهي ، بل يفقد المرء  الانجذاب للشجرة كونها فقدت قيمتها الجمالية ، و قياس حديثنا لا يختلف ، فالحياة بلا مشاعر فاقدة لمعناها ، فتبلد العلاقات  و جمودها مرده أن المعاملات أفرغت من شحنتها الإيجابية التي تمثلها العواطف و القيم الجمالية .ذذ

تنحرف العواطف عن مدلولها الحقيقي ، حين تنحصر في زوايا ضيقة ، لا تتجاوز حدود الجمادات ، فتكون نصيبها الأكبر الافتتان بالمظاهر و الزخارف المادية ، وعاطفة الحب ليس مكانها هذا ، فهذه العواطف الفطرية ، هي إشراقة طيبة تنعش الحياة ، حين تتضاءل هذه العواطف في حياة الإنسان ، و تتهاوى كل الصور الإيجابية لتحل مكانها صور منحرفة ، تكون سببا في شقاء الإنسان ، يقول  أبو الحسن الندوي: في إشارة لهذه المعاني في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم  (أحبّ النبيُّ القومَ بكل قلبه، فأعطوه بكل قواهم)  و هي حقيقة مقررة أن تبنى العلاقات الإنسانية على أساس الحب الصادق .

تروي كتب السنة الشريفة شواهد رائعة ،  كيف كانت حياة رسولنا صلى الله و سلم ملأى بهذه العواطف الراقية .

فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ( قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا 

يربي الإسلام أتباعه أن  محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من  محبة الله تعالى  و هي أصل ثابت  من أصول الدين، وصورة  اكتمال الإيمان يكون بحب  النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون هذا الحب  أرقى من حب الأباء و الأولاد   والناس أجمعين، يقول  الله تعالى: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }(التوبة:24)

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخاري .

قد يدهش المرء حين يوظف النبي - صلى الله عليه وسلم – العواطف فيجعل من الحُبّ فنّ قيادة بإشاعة فن المجاملة و الملاطفة كأسلوب لجذب الأتباع ، يوظفه في تبليغ الأوامر و التكليفات و قد يتجاوز حدود التكاليف  لمستوى العلاقات الاجتماعية و الإنسانية .

وفي سنن الترمذي بسند حسنه بعض أهل العلم أن عمر بن الخطاب لما أراد العمرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنسنا من دعائك يا أخي».

فانظر إلى أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يوظف التعزيز اللفظي حين  يقول لسيدنا عمر رضي الله عنه كلمة ترفع معنوياته ، تقوي عزيمته بكلمة ربما يحتقرها بعضنا : (يا أخي)، فيكون التجاوب الطبيعي لعمر رضي الله عنه بكلمات مرادفة لها  و هو يعد هذه الكلمة محدودة الحروف  (كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما عليها) ، فسافرت تلك الكلمة إلى البقاع المقدمة و قلبه يحن شوقا  لكن كأنه ترك قلبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم ترك أشواقه وأحاسيسه مع رسول الله .

فأي عواطف هذه و أي مستوى من الحب يناله القائد من جنوده اسمع وصية هذا الصحابي الجليل ، يودع الدنيا ، يقبل على الآخرة يودع الحياة بهذه لكلمات الدرر .

رواه الحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع رضي الله عنه وأرضاه في القتلى، وقال لي: {إن رأيته فأقرِئْه مني السلام، وقل له: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني كيف تجدك؟} قال زيد: فجعلت أبحث عنه في القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق، به سبعون ضربة؛ ما بين طعنة رمح، وضربة سيف، ورمية سهم، فقلت له: يا سعد! إن رسول الله يقرؤك السلام، ويقول: أخبرني كيف تجدك؟ قال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وعليك السلام، قل له: إني -والله- لأجد رائحة الجنة -ليس هذا موضع الشاهد، ولكن اسمع ماذا قال؟ - وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله أن يُخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، ثم فاضت روحه رحمه الله.

بمثل هذه الصور حري أن يربى المجتمع و يقاد ، يكون الاقتداء بهذه النماذج التربوية الراقية ، حري أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم و  أصحابه الكرام قدوتنا في بناء الجانب العاطفي  ، الذي يبنى على الحب، نعلي تلك  القيم الفريدة  التي تظل مضرب ، 

لنقول : بالحب أسرت القلوب رسول الله .

الأستاذ حشاني زغيدي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نتائج الدورة الأولى من مسابقة قصيدة النثر 2022

 بسم الله الرحمن الرحيم  ----------------- عدد أعضاء لجنة التحكيم 7 أ. المصطفى الصغوسي/ المغرب أ. أكثم جهاد/ الأردن أ. إبراهيم مالك/ موريتانيا  أ. آمال القاسم/ الأردن أ. ثريا الشمام/ سوريا د. جميلة رحماني/ المغرب أ. طارق غنوم/ سوريا  مجموع النقاط: 70 درجة -------------------------------------------------- الفائزون في المسابقة  المركز الأول: متسابق واحد  مروة آدم حسن 43.5 المركز الثاني : متسابق واحد إيمان حماني 42.5 المركز الثالث: متسابق واحد ثناء أحمد 41.5 المركز الرابع: متسابقان سامية طيوان 41 ميسون يوسف نزال 41 المركز الخامس: متسابق واحد علي قوادري 40 --------------------------------------------------- النصوص المميزة 6 مهاب حسين 38.5 7  أبو القاسم العمري 38 7 طالب غلوم طالب 38 8 شهرزاد مديلة 37.5 9 زهراء ناجي 37 10 عبد الحسين رشيد العبيدي 36 ---------------------------------------------------- 11 تمام الحياري 34.5 12 سالم سلوم 34 13 محمد الإمامي 33.5 13 رتيبة لطرش 33.5 24 فاطمة المخلف 33 15 أحمد الحسن 32.5 16 محمد عبد الغني عمارة 31 16 عيشه صالح محمد...

يوم لن يتكرر(قصة قصيرة) بقلم الأديب المغربي رفيق مدريك

لم تكن تلك الليلة كباقي الليالي،ولجت الفراش باكرا ممنيا نفسي بليلة وردية.راودت النوم عن أحلامه فأبى واستعصى،وعلى غير العادة قضيتها ليلة شبه بيضاء.انتظرت فيها صباح السبت الفاتح من اكتوبر سنة 1966.كان هذا اليوم فارقا في حياتي كطفل لم يتجاوز عمره 7 سنوات بانتقاله من مرحلة ماقبل التمدرس (بمدرسة التقدم النموذجية) لمرحلة المدرسة العمومية (المدرسة القديمة)..الساعة تشير إلى السابعة صباحا.حضٌرت أمي وجبة الفطور ،التي لم تكن سوى قطعة خبز مدهونة بزبدة نباتية و كأس شاي،التهمت فطوري على استعجال بين فرحة ودهشة من هول المناسبة،بينما أمي تبحث في خزانة الملابس عن بدلة تناسب حجم المناسبة..وفي خضم كل هذه الأحداث كان الوقت يمر ثقيلا وكأن على رأسي الطير. ارتدت أمي جلبابها وفي يدها كناش الحالة المدنية وهي تمسك بيدي وكلما بدت لها الفرصة تمدني بنصيحة حسب الموقف،توجهنا إلى سكويلة البرارك(القديمة).كان الجو غائما حزينا يودع العطلة الصيفية بوجه عبوس.في طريقنا للمدرسة كانت أفواج التلاميذ متوجهة إلى المدارس المتواجدة بالحي على قلتها... وجوه أغلبها لفحتها أشعة شمس الصيف الحارقة بالبادية حيث كان أغلب سكان الحي يقضون ع...

الحلقة (2) من فقرة صحح لسانك/ إعداد وتقديم الأديب اليمني نجيب صالح طه

❎  لا تقل أوتكتب : (على أية حال،  أو في أية مناسبة.. ) ✒ فتلك التاء ، لا أساس لها من الصحة،  بل قل واكتب : ✅ على أي حال ، وفي أي مناسبة.  👈 قال تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} 👈 {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}  👈{فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان}. 👈 ( فبأي حديث بعده يؤمنون ).    🛑 لا تقل أو تكتب:    ❎  ( وما هي إلا برهة حتى عادت.أو      انتظرتك برهة ) تريد بذلك وقتا قصيرا من الزمن 😀  👈 والسبب :  أن ( برهة ) كما جاء في   لسان العرب: «البرهة الحين الطويل من الدهر». 📢 وقل واكتب : (انتظرتك لحظة أو هُنيهة ) وعلى ذلك قِسْ.                                                       ❎ لا  تقل أو تكتب :  " ما زرته أو ما فعلت ذلك أبدا، أو لن أزوره قط ..... ✅  قل واكتب  :  ما زرته قط، ولن أزوره أبدا، ولن يفعل ذلك أبدا...   وال...