التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وهم/ بقلم الأديب سالم الوكيل

هرول إلى متصفحها حين رأى صورتها متوشحة السواد، شيء ما يدب في قلبه كلما نظر إلى عينيها السوداوتين ، في كل مرة يحس بتلك المشاعر المنهمرة التي تتدفق دون إذن منه ، ياله من شعور تملك عليه نفسه التي بين جنبيه ! .

توقف كثيرا أمام تفاصيل الصورة ، لكأنما تحادثه ، تقص عليه حكاياتها المفعمة بالأسف والوجع ، أنصت إليها بقلبه قبل عينه ، أخذ الدمع ينسكب على خديه كأنه سيل يشق مجراه ، طفق يكفكفه ، مرت عليه لحظات عصيبة ، يحاول أن يستجمع قواه . على الرغم من عمرها الخمسيني وأمارات وجهها التي حفرتها سنوات الأسى الموجع إلا أن بقية من براءة الطفولة وسذاجتها المهملة لم تغادر عينيها اللتين اعتادهما الهمً . جذبته تلك النظرات .. همهم في نفسه : كم من حكايات وراءك أيتها العين السيًالة الهموع ! .

أسرع إلى هاتفه ، راسلها ، تجاذبا أطراف الحديث ، كانت حروفها تحمل روحا ذكية فيها من شقاوة الأطفال وضحكاتهم نصيب ، ومن رزانة الكبار ووقارهم حظ . تآلفت السطور ، انسجمت الردود بعد حديث مطول . أخذ كل واحد يبحث عن الآخر حين يفتقد في هذا العالم الأزرق ، ومع مرور الوقت أخذت كلماته تحمل مشاعر الإعجاب ؛ فتنبض رقة وحيوية ، وفجأة يطلب منها أن تهاتفه ؛ كي يشنف آذانه بصوتها الذي يرى ألقه في حروفها التي ترسلها إليه عبر متصفحها لكنها ترفض بحجة أنها أكبر منه سنا وتخشى أن يسمعها أحد من إخوتها الصغار فتصغر في أعينهم . إن رفضها هذا وتبريره دفعاه إلى الإصرار على محادثتها .

ومع كل مساء يراسلها ويطلب منها أن يستمع إلى صوتها ، تصر على موقفها بالرفض ،ارتاب في الأمر ، استبد به هاجس الليل ..قرر في نفسه أن يكشف هذا الغموض ، اتصل عليها مرات كثيرة فلم تجبه ، وفي المرة الأخيرة خرج عليه صوت جهوري من الهاتف يصيح به : إن صاحب هذا الحساب شاب يعاني مرضا نفسيا ؛ ادع له بالشفاء ، وعذرا لك .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وطَني ياأُهزوجَةَ حُبٍ/بقلم الشاعر أحمد صالح

 وطَني ياأُهزوجَةَ حُبٍ جِئتُكَ من لَيلِ الآلامِ جئتُكَ مُشتاقَاً وحَنينيْ يَهمِسُ بِصَهيلِ الأَيامِ يا وطَني السَاكِنَ في وجديْ في قَلبي وروحي وأحلاميْ جِئتُكَ مع فَجري بإصْراريْ بِصَهيلي ونَزقي وإعصاريْ جِئتُكَ ورجالُُ كَسَرواالريحَ تَحَدوا جُموعَ الأَشّرارِ يا وطَنَ الزَنبَقِ والزَيتونِ يا عِطرَاًفاحَ منَ الليمونِ وزَهرِ اللوزِ العَابٌِقِ فَوقَ رُبانا رايَتَنا خَفَقَتْ بِسَمانا ورفاقُ الدَربِ أبَابيلٌ أسرابُ رُعودَا هادرةً في المَسّرى وفي كُلِ قُرأنا صَهَلَتْ خَيلي مُتَمَرِدَةً في القُدسِ وباحَةِ أقْصانا وجِبالُ النارِ نُفَجِرُها ثَورةُ أحجارِوبُركانا في غَزةَ أرضِ الثوارِ بالرَملَةِ صُهيوني حَذاريْ يا وَطَني الثائِرَ في وَجديْ يا صَرخَةَ كُلِ الأَحرارِ يا صوتَ الدُرةِ والقَسامِ وصَوت صلاحِ الهَدارِ وطَني يا طَهرَ الأَرضِ وعَبَقُ الطيب لأَخياريْ قسَماً سَأُواجِهُ أَقْداريْ بِيَدَيَ وعَزمي وإصراريْ وأُحَرِرُ أرضي بِشُموخٍ رُغمَ المُحتَلِ الغَدارِ أرفَعُ رايَتَنا في حَيفا في النَقَبِ وفي كُلِ دياريْ وطَني السّاكنَ في وجدانيْ  وطَني المغروسُ بِشَريانيْ وطَني يا أَرضَ الأَبطالِ وطَني يا

بالحب أسرت القلبوب/ بقلم الأستاذ حشاني زغيدي

حين نحرم معاملاتنا من العواطف، فكأننا نعري الأشجار من جمالها، حين تفقد الأشجار رونقها بتنحي الأوراق الخضراء، تفقد الشجرة لونها الزاهي ، بل يفقد المرء  الانجذاب للشجرة كونها فقدت قيمتها الجمالية ، و قياس حديثنا لا يختلف ، فالحياة بلا مشاعر فاقدة لمعناها ، فتبلد العلاقات  و جمودها مرده أن المعاملات أفرغت من شحنتها الإيجابية التي تمثلها العواطف و القيم الجمالية .ذذ تنحرف العواطف عن مدلولها الحقيقي ، حين تنحصر في زوايا ضيقة ، لا تتجاوز حدود الجمادات ، فتكون نصيبها الأكبر الافتتان بالمظاهر و الزخارف المادية ، وعاطفة الحب ليس مكانها هذا ، فهذه العواطف الفطرية ، هي إشراقة طيبة تنعش الحياة ، حين تتضاءل هذه العواطف في حياة الإنسان ، و تتهاوى كل الصور الإيجابية لتحل مكانها صور منحرفة ، تكون سببا في شقاء الإنسان ، يقول  أبو الحسن الندوي: في إشارة لهذه المعاني في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم  (أحبّ النبيُّ القومَ بكل قلبه، فأعطوه بكل قواهم)  و هي حقيقة مقررة أن تبنى العلاقات الإنسانية على أساس الحب الصادق . تروي كتب السنة الشريفة شواهد رائعة ،  كيف كانت حياة رسولنا صلى الله و سلم ملأى بهذه الع

موسم الحزن السومري/ بقلم الكاتبة الجزائرية إيمان حماني

* في رأسي بيوت طينية حزينة عمرها ألف قصيدة سومرية فقدتُ أغنياتي الريفية وأنا أعْبر مدن الثعالب الصحراوية ماتت فيّ الحدائق ووشوشات الياسمين أنام على وهم وأصحو على وهم وأنجو على ضجعة وعزاءات المدن الفقيرة ربما سأرتدي ثياب الحِداد وأتسلق فوق كهف الزُهد ذاك مكاني الخالد ثمة نبي قديم سيبكي فوق رفاتي أما الطيور ستحرس المقبرة وتطارد كوابيس العابرين ربما سيزورني الأصحاب الأصحاب الذين خذلوني الآن هائمون في البرية يكتبون معلقات حزينة في الإذاعة كم كانت أكمامي قصيرة وأنا معهم كم كنت منسية خلف حجرة صماء ويمامة ضائعة بين الكثبان