هرول إلى متصفحها حين رأى صورتها متوشحة السواد، شيء ما يدب في قلبه كلما نظر إلى عينيها السوداوتين ، في كل مرة يحس بتلك المشاعر المنهمرة التي تتدفق دون إذن منه ، ياله من شعور تملك عليه نفسه التي بين جنبيه ! .
توقف كثيرا أمام تفاصيل الصورة ، لكأنما تحادثه ، تقص عليه حكاياتها المفعمة بالأسف والوجع ، أنصت إليها بقلبه قبل عينه ، أخذ الدمع ينسكب على خديه كأنه سيل يشق مجراه ، طفق يكفكفه ، مرت عليه لحظات عصيبة ، يحاول أن يستجمع قواه . على الرغم من عمرها الخمسيني وأمارات وجهها التي حفرتها سنوات الأسى الموجع إلا أن بقية من براءة الطفولة وسذاجتها المهملة لم تغادر عينيها اللتين اعتادهما الهمً . جذبته تلك النظرات .. همهم في نفسه : كم من حكايات وراءك أيتها العين السيًالة الهموع ! .
أسرع إلى هاتفه ، راسلها ، تجاذبا أطراف الحديث ، كانت حروفها تحمل روحا ذكية فيها من شقاوة الأطفال وضحكاتهم نصيب ، ومن رزانة الكبار ووقارهم حظ . تآلفت السطور ، انسجمت الردود بعد حديث مطول . أخذ كل واحد يبحث عن الآخر حين يفتقد في هذا العالم الأزرق ، ومع مرور الوقت أخذت كلماته تحمل مشاعر الإعجاب ؛ فتنبض رقة وحيوية ، وفجأة يطلب منها أن تهاتفه ؛ كي يشنف آذانه بصوتها الذي يرى ألقه في حروفها التي ترسلها إليه عبر متصفحها لكنها ترفض بحجة أنها أكبر منه سنا وتخشى أن يسمعها أحد من إخوتها الصغار فتصغر في أعينهم . إن رفضها هذا وتبريره دفعاه إلى الإصرار على محادثتها .
ومع كل مساء يراسلها ويطلب منها أن يستمع إلى صوتها ، تصر على موقفها بالرفض ،ارتاب في الأمر ، استبد به هاجس الليل ..قرر في نفسه أن يكشف هذا الغموض ، اتصل عليها مرات كثيرة فلم تجبه ، وفي المرة الأخيرة خرج عليه صوت جهوري من الهاتف يصيح به : إن صاحب هذا الحساب شاب يعاني مرضا نفسيا ؛ ادع له بالشفاء ، وعذرا لك .
تعليقات
إرسال تعليق