التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بؤس الأحلام- بقلم الأديبة العراقية ظلال الموسوي

●كعادته اليومية جمع الأوراق المتناثرة في القمامة القريبة من الخربة التي يقنطها، لينقش عليها قصائد ثملة وقصص أصابها النسيان، فمن يقرأ كتابات كهل مشرد منذ سنين، يتّخذ الشارع مأوى ساعة وخربة تسكنها القطط والكلاب ساعات، كل الفصول أدمنت وجوده بضحكاتها الساخرة حينما تدثره سياط الشمس كرشقات المطر، لكنه كان يسخر منها فملابسه الرثة المتسخة درعه الحصين لمجابهتها في شتى الظروف، تعددت أسفاره فهو يجوب بجسده الهزيل ولحيته الكثة الطرقات، كانت ألسنة المارة السليطة تشعره باستلاب وجودي مرير حينما يقولون:

- أيّها المشرّد الحصول على عمل أفضل لك من التسوّل.

كانت نظراته تخاطبهم:

- لست مشردا، بل أنا مثلكم لولا حظي العاثر.

سالت قطرات الدمع على خديه، فهو يرى الأنوف أغلقت بسبب رائحتة والأجساد ابتعدت بسبب هيئته.

ذات يوم أثار اهتمام صاحب مكتبة، بعدما رمى مجموعة أوراق في حاوية القمامة، ليشاهده منهمك بالكتابة عليها، تقرّب منه مستفهما، بعد نظرات اطمئن له، أعطاه الكهل إحدى قصائده التي كتبها ليقرأها، بعد ثوان دُهِشَ من موهبته وإبداعه، ليقرر في ساعة طائشة أن يطبع قصائد هذا الشاعر المتشرد، في تحد مع رواد مكتبته من الأصدقاء حتى يروا ماذا يخبّئ هذا الكهل تحت ملابسة المهترئة وشعره المتّسخ، بعدها أصرّ صاحب المكتبة  أن يعرف قصته.

أجابه الكهل:

- قضيت شبابي أعمل بائعا للكتب، استمرّ معها شغفي بالكتابة والتأليف، لكن لم تستمرّ حياتي لسوء الأوضاع، لسبب ما انقلبت رأسا على عقب حتى انتهى الأمر بي مشرّدا بلا مأوى.

هزّ صاحب المكتبة برأسه متألّما!

- صحيح من لا يعرفك يجهلك.

أخذ صاحب المكتبة كتابات المشرد لنشرها، بعد شهور انهالت عليه المساعدات من المثقفين، لكنه بقي يعاني من العزلة والكآبة، لأنّ جسده رفض الفضاءات المغلقة بعدما أدمن سخرية الفصول. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وطَني ياأُهزوجَةَ حُبٍ/بقلم الشاعر أحمد صالح

 وطَني ياأُهزوجَةَ حُبٍ جِئتُكَ من لَيلِ الآلامِ جئتُكَ مُشتاقَاً وحَنينيْ يَهمِسُ بِصَهيلِ الأَيامِ يا وطَني السَاكِنَ في وجديْ في قَلبي وروحي وأحلاميْ جِئتُكَ مع فَجري بإصْراريْ بِصَهيلي ونَزقي وإعصاريْ جِئتُكَ ورجالُُ كَسَرواالريحَ تَحَدوا جُموعَ الأَشّرارِ يا وطَنَ الزَنبَقِ والزَيتونِ يا عِطرَاًفاحَ منَ الليمونِ وزَهرِ اللوزِ العَابٌِقِ فَوقَ رُبانا رايَتَنا خَفَقَتْ بِسَمانا ورفاقُ الدَربِ أبَابيلٌ أسرابُ رُعودَا هادرةً في المَسّرى وفي كُلِ قُرأنا صَهَلَتْ خَيلي مُتَمَرِدَةً في القُدسِ وباحَةِ أقْصانا وجِبالُ النارِ نُفَجِرُها ثَورةُ أحجارِوبُركانا في غَزةَ أرضِ الثوارِ بالرَملَةِ صُهيوني حَذاريْ يا وَطَني الثائِرَ في وَجديْ يا صَرخَةَ كُلِ الأَحرارِ يا صوتَ الدُرةِ والقَسامِ وصَوت صلاحِ الهَدارِ وطَني يا طَهرَ الأَرضِ وعَبَقُ الطيب لأَخياريْ قسَماً سَأُواجِهُ أَقْداريْ بِيَدَيَ وعَزمي وإصراريْ وأُحَرِرُ أرضي بِشُموخٍ رُغمَ المُحتَلِ الغَدارِ أرفَعُ رايَتَنا في حَيفا في النَقَبِ وفي كُلِ دياريْ وطَني السّاكنَ في وجدانيْ  وطَني المغروسُ بِشَريانيْ وطَني يا أَرضَ الأَبطالِ وطَني يا

بالحب أسرت القلبوب/ بقلم الأستاذ حشاني زغيدي

حين نحرم معاملاتنا من العواطف، فكأننا نعري الأشجار من جمالها، حين تفقد الأشجار رونقها بتنحي الأوراق الخضراء، تفقد الشجرة لونها الزاهي ، بل يفقد المرء  الانجذاب للشجرة كونها فقدت قيمتها الجمالية ، و قياس حديثنا لا يختلف ، فالحياة بلا مشاعر فاقدة لمعناها ، فتبلد العلاقات  و جمودها مرده أن المعاملات أفرغت من شحنتها الإيجابية التي تمثلها العواطف و القيم الجمالية .ذذ تنحرف العواطف عن مدلولها الحقيقي ، حين تنحصر في زوايا ضيقة ، لا تتجاوز حدود الجمادات ، فتكون نصيبها الأكبر الافتتان بالمظاهر و الزخارف المادية ، وعاطفة الحب ليس مكانها هذا ، فهذه العواطف الفطرية ، هي إشراقة طيبة تنعش الحياة ، حين تتضاءل هذه العواطف في حياة الإنسان ، و تتهاوى كل الصور الإيجابية لتحل مكانها صور منحرفة ، تكون سببا في شقاء الإنسان ، يقول  أبو الحسن الندوي: في إشارة لهذه المعاني في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم  (أحبّ النبيُّ القومَ بكل قلبه، فأعطوه بكل قواهم)  و هي حقيقة مقررة أن تبنى العلاقات الإنسانية على أساس الحب الصادق . تروي كتب السنة الشريفة شواهد رائعة ،  كيف كانت حياة رسولنا صلى الله و سلم ملأى بهذه الع

موسم الحزن السومري/ بقلم الكاتبة الجزائرية إيمان حماني

* في رأسي بيوت طينية حزينة عمرها ألف قصيدة سومرية فقدتُ أغنياتي الريفية وأنا أعْبر مدن الثعالب الصحراوية ماتت فيّ الحدائق ووشوشات الياسمين أنام على وهم وأصحو على وهم وأنجو على ضجعة وعزاءات المدن الفقيرة ربما سأرتدي ثياب الحِداد وأتسلق فوق كهف الزُهد ذاك مكاني الخالد ثمة نبي قديم سيبكي فوق رفاتي أما الطيور ستحرس المقبرة وتطارد كوابيس العابرين ربما سيزورني الأصحاب الأصحاب الذين خذلوني الآن هائمون في البرية يكتبون معلقات حزينة في الإذاعة كم كانت أكمامي قصيرة وأنا معهم كم كنت منسية خلف حجرة صماء ويمامة ضائعة بين الكثبان