●كعادته اليومية جمع الأوراق المتناثرة في القمامة القريبة من الخربة التي يقنطها، لينقش عليها قصائد ثملة وقصص أصابها النسيان، فمن يقرأ كتابات كهل مشرد منذ سنين، يتّخذ الشارع مأوى ساعة وخربة تسكنها القطط والكلاب ساعات، كل الفصول أدمنت وجوده بضحكاتها الساخرة حينما تدثره سياط الشمس كرشقات المطر، لكنه كان يسخر منها فملابسه الرثة المتسخة درعه الحصين لمجابهتها في شتى الظروف، تعددت أسفاره فهو يجوب بجسده الهزيل ولحيته الكثة الطرقات، كانت ألسنة المارة السليطة تشعره باستلاب وجودي مرير حينما يقولون:
- أيّها المشرّد الحصول على عمل أفضل لك من التسوّل.
كانت نظراته تخاطبهم:
- لست مشردا، بل أنا مثلكم لولا حظي العاثر.
سالت قطرات الدمع على خديه، فهو يرى الأنوف أغلقت بسبب رائحتة والأجساد ابتعدت بسبب هيئته.
ذات يوم أثار اهتمام صاحب مكتبة، بعدما رمى مجموعة أوراق في حاوية القمامة، ليشاهده منهمك بالكتابة عليها، تقرّب منه مستفهما، بعد نظرات اطمئن له، أعطاه الكهل إحدى قصائده التي كتبها ليقرأها، بعد ثوان دُهِشَ من موهبته وإبداعه، ليقرر في ساعة طائشة أن يطبع قصائد هذا الشاعر المتشرد، في تحد مع رواد مكتبته من الأصدقاء حتى يروا ماذا يخبّئ هذا الكهل تحت ملابسة المهترئة وشعره المتّسخ، بعدها أصرّ صاحب المكتبة أن يعرف قصته.
أجابه الكهل:
- قضيت شبابي أعمل بائعا للكتب، استمرّ معها شغفي بالكتابة والتأليف، لكن لم تستمرّ حياتي لسوء الأوضاع، لسبب ما انقلبت رأسا على عقب حتى انتهى الأمر بي مشرّدا بلا مأوى.
هزّ صاحب المكتبة برأسه متألّما!
- صحيح من لا يعرفك يجهلك.
أخذ صاحب المكتبة كتابات المشرد لنشرها، بعد شهور انهالت عليه المساعدات من المثقفين، لكنه بقي يعاني من العزلة والكآبة، لأنّ جسده رفض الفضاءات المغلقة بعدما أدمن سخرية الفصول.
تعليقات
إرسال تعليق